عرفت الأمة الإسلامية حالة من التخلف والجمود، خلال القرون الأخيرة، توجت بهيمنة استعمارية شاملة، استثمرت في حالة التراجع والانكفاء العلمي والابداعي، والانطواء على الذات وعدم مسايرة الثورات الفكرية والعلمية والصناعية الناشئة آنذاك، ولقد عمق الاستعمار من حجم الازمة والهوة الحضارية الثقافية للمسلمين، فكان "التخلف" العنوان الأبرز لهذه المرحلة الزمنية، بما يشتمله من أمراض اجتماعية وثقافية اثخنت الجسد الإسلامي واحالته إلى كتلة ساكنة فاقدة للوعي تقريبا. وفي المقابل كان السؤال المركزي لدى النخب العلمية والاصلاحية آنذاك هو: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وكيف يمكن إعادة الامة إلى سكة النهضة والحضارة مواكبة لمقتضيات العصر ومستجيبة لتحدياته؟ لقد شغلت هذه الأسئلة بال أقطاب رواد الإصلاح والنهضة مثل الافغاني والكواكبي، والأمير شكيب أرسلان، محمد عبده، محمد رشيد رضا، ابن باديس ...وغيرهم من الشخصيات التي قدمت رؤى متقدمة لتجديد التفكير الديني الإسلامي. ويعد محمد إقبال واحدا من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، الذين عايشوا تفاصيل تخلف المسلمين، وانهيار الخلافة الإسلامية، وسيطرة الاستعمار الأجنبي وما افشاه من امراض خبيثة في جسد الأمة، ولذا سعى لتقديم نموذج لفكرٍ إصلاحي يدعو إلى التوفيق بين الموروث الإسلامي الأصيل والحداثة المعاصرة. من خلال فتح باب الاجتهاد، وتجديد آليات التعاطي مع النصوص والاجتهادات الفقهية، في إطار الضوابط المنهجية الشرعية، والمسؤولية الفردية والاجتماعية. ورغم أن صيحة إقبال مر عليها أكثر من نصف قرن، إلا أن إشكالية تجديد التفكير الديني الإسلامي، ليس مجرد موضوع نظري تاريخي، بل هو إشكالية قائمة بذاتها، وهم مزمن وضرورة واقعية ملحة لا تزال تواجه المجتمعات الإسلامية في عالم سريع التغير، والانكى ظهور أمراض جديدة عنوانها الأبرز: التطرف العنيف والتكفير والتطاحن البيني، واتساع اخدود التفكك الإسلامي وصولا إلى تبرير التطبيع وتمييع المفاهيم والقيم الإسلامية بل التبشير بديانات جديدة مثل الإبراهيمية، والالحاد وعبدة الشيطان... وعلى هذا الأساس فإن الغاية من استحضار جهود محمد اقبال، هو تلمس نموذج لإصلاح حال المجتمعات المسلمة، ومنه تنبثق إشكالية رئيسية مفادها: إلى أي مدى يمكن لأفكار محمد إقبال في هذا الخصوص؛ توفير إطار منهجي نموذجي يمكن الاعتماد عليه لتجديد التفكير الديني الاسلامي في السياق المعاصر؟ وما حدود وإمكانات هذا النموذج؟ وما التحديات التي قد تواجهه؟ وكيف يمكن تطويره بما يتلاءم مع المستجدات المعاصرة؟